أنا فتاة سورية في الثامنة عشر من عمري. في تاريخ 27-05-2015 سافرنا من دبي الى تركيا على أمل العودة. سافرنا بنيّة اجازة ترفيهية في اسطنبول، و في هذا الحين، كان يجب على أبي تجديد إقاماتنا في دبي كي نعود و نكمل حياتنا العائلية السعيدة. كنت في العاشرة من عمري، سافرت مع أمي وأخي الأصغر مني بسنة. أثناء وجودنا في اسطنبول، تبين معنا أننا لن نتمكن من العودة، فاضطررنا للاستمرار في طريقنا، لم يكن هناك امكانية النظر إلى الوراء ولا إلى طريق للعودة.
سلكنا طريقنا الى إزمير مع مجموعة سوريين آخرين كانوا ينوون على اللجوء إلى أوروبا. أمي أعدت كل شيء، لم اكن اعرف شيء كوني كنت صغيرة السن و بريئة الفكر، كنت سعيدة كوني ظننت انني في نزهة. وصلنا في منتصف الليل تقريبا الى وجهتنا ازمير و كان الكبار يطلبون منا ان نخفض اصواتنا. استغربت ولكن أنصت ولم أسأل لماذا. حين وصولنا الى الفندق الذي كنا سنبيت فيه الليلة بدأت ان اضع اشارات تعجب و استفهام. لماذا نلجأ في فندق كالفنادق المعتادة لأسرتنا، هنا بدات ان تتضح لي الصورة. "ماما ليش هون رح ننام؟ ليش هيك شكلو الاوتيل؟" سالت امي باستغراب " لانو رايحين على اوروبا ماما مشان نصير بمكان احسن" أجابتني أمي " و بابا؟" سألت "رح نجيبو لعنا بس نوصل" اجابت، ف فرحت لان كان المجتمع ينقش في عقولنا ان اوروبا هي جنة الارض.
بتنا الليلة و في الفجر الباكر أيقظتني أمي أنا وأخي وبدأت تلبيسنا لباس فوق لباس. أكثر من قطعة داخلية و اكثر من سروال و اكثر من كنزة. استغربت، أنا لست معتادة على ان أوفر مساحة في حقيبة السفر بهذه الطريقة الغريبة ولكن صبرت لاني رأيت ان كل الاسر الاخرى تجعل ابنائها تردي الملابس بنفس الطريقة الغريبة فلم اشعر بالوحدة. ورأيت الأمهات يقومون بتخبئة النقود في بوالين وأكياس، استغربت اكثر فانا اعرف أن النقود تخبئ في المحفظة و ليس في الملابس الداخلية. قاموا أشخاص غرباء بالاستعجال و سمعت الرجال يقولون "يلا بسرعة لازم نطلع قبل ما يطلع الضو بطل معنا وقت" و رجال اخرى تقول "قطاع الطرق بيطلعو بعد شوي".
سارعنا في الخروج و في الخارج كانت المفاجئة، كانت بانتظارنا شاحنة نقل للحيوانات مغلقة من الخلف. طلب مننا الدخول، كنا ١٥٠ فرد. لم يكن هناك الكثير من المساحة في الداخل، لدرجة أننا لم نتمكن جميعنا من الجلوس، كنا نتبادل الأدوار، البعض يرتاح و الآخر يقف.
بعد مرور ساعات طويلة اتز مرت بملاحقة الشرطة لنا لشكها انها محاولة تهريب و الشاحنة كانت على وشك الانقلاب من قمة الجبل و مشاجرات عابرة بين الركاب، وصلنا أخيرا الى وجهتنا. نزلنا من الشاحنة و بدأ المهرب بإلباسنا ستر النجاة. اتبعنا الى النقطة الاخيرة في ازمير و بدئ الرجال بنفخ قوارب المطاط.
القارب الذي كان من نصيبنا كان أصغر قارب يسع فقط ٢٥ شخص، و كنا ٨٥ شخصا عليه. بعد ما صعدنا انا و اخي بدأ القارب بل انطلاق في الماء، انتبهنا ان امي مفقودة على متن القارب، كانت لا تزال على الشاطئ ولكن لم يكن هناك مكان لها. طلبنا من الركاب ان يتركوا بعضا من بضائعهم، البعض رضي والبعض رفض. صعدت امي اخيرا معنا و انطلقنا.
في منتصف البحر وقعت حقيبة أحد المهاجرين و كانت كل ثروة حياته فيها، حاول ان يغطس في البحر ليلحقها لكن لم يكن هناك جدوى ولكن كانت حركته هذه كفيلة بإغراقنا جميعا حيث لم يكن هناك توازن ولا مكان كافي على القارب لدرجة أن رجلا كان يحملني في الهواء طوال الرحلة.
وصلنا أخيرا إلى جزيرة غير معروفة في اليونان. مشينا مع المجموعة ما يقارب السبع ساعات حتى وصلنا الى مكان فيه متاجر بسيطة. لم يرضى أحد بمساعدتنا أو توصيلنا إلى أقرب وجهة لنكمل طريقنا كوننا كنا غير قانونيين في البلد. بتنا ليلة في الشارع و من بعدها بتنا حوالي اسبوع في ما يشبه مزيج من مخيم وسجن. لم يسمح لنا في الخروج و كنا نبات أكثر من عشر عوائل في غرفة واحدة، بالنسبة للطعام كان عبارة عن مقدار كوب واحد صغير من الأرز باليوم للشخص الواحد.
اخيرا فرجت علينا وأخذنا اذن سفر الى عاصمة اليونان (اثينا) ومن ثم، اكملنا انا و عائلتي من خلال جوازات مزورة طريقنا بالطائرة الى ايطاليا و بتنا ليلة واحدة ومن بعد اذ اكملنا أيضا بالطائرة الى الدنمارك.
ظللنا في الملجئ منتظرين اجابة من الحكومة ما يقارب السنة والنصف. بعد عناء طويل حصلنا على الاقامة هنا. مع مرور السنين والشهور الطويلة ابدينا بضع محاولات للم شمل والدي ولكن لم يكن هناك جدوى. في سنة ٢٠١٨ أصيب والدي بمرض السرطان، وبسبب مرضه اجبر بالانتقال إلى تركيا للعلاج و خضع للعديد العمليات والعلاج الكيميائي. قام بتجاوز الموضوع مع الكثير من التعب و المشقة على مفرده لسبب عدم امكاننا من رؤيته بسبب الظروف و عدم تعاون الدولة معنا ومنحنا جوازات سفر. كنا نراه في تركيا مرة كل بضع سنوات على مدى ثمان سنوات و بالمجموع ما يعادل المرتين فقط. أصيب أبي من مدة تقريبا شهر ونصف بتعب شديد و نقل الى المشفى. حاولو الأطباء جهدهم أن يعالجوه ولكن كانت مشيئة الله أقوى من الجميع. استرجع الله امانته بعد عناء و تعب شديد لوالدي.
بالرغم من ذلك، لم تتعاون السفارة التركية في الدنمارك معنا بأي شكل من الأشكال. رفضوا مساعدتنا قبل وفاة أبي و بعد ايضا، بالرغم من أننا قدمنا لهم تقريرات طبية أنشئت من المشفى الذي ركض ابي فيه تعبر عن مدى شدة و خطورة مرضه قبل وفاته ومع ذلك اختاروا عدم تطبيق الانسانية و طلبوا منا ان نحجز موعد. لم يكن هناك مواعيد الا لشهر ٣ سنة ٢٠٢٤ (بعد سنة من الآن). توفي أبي و لم نتمكن من رؤيته ولا من دفنه. بقت حرقة في قلوبنا انا و اخي و امي. ومرت اربع سنوات دون أن نراه.
-سما، 18 عاماً، سورية الجنسية، تعيش في الدنمارك منذ 8 سنوات.
Comments